شرح حديث الباب

setting

سُورَةُ حم السَّجْدَةِ
وَقَالَ طَاوُسٌ : عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، { ائْتِيَا ائْتِيَا جيئا بما خلقت فيكما من المنافع وأخرجاها لخلقي طائعات ممتثلات وهو مجاز عن تسخير الله تعالى السماء والأرض لمنافع الخلق طَوْعًا أَوْ كَرْهًا كَرْهًا ملجآت مقهورات وانظر أول الباب }[فصلت : 11] : أَعْطِيَا ، { قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ }[فصلت : 11] : أَعْطَيْنَا وَقَالَ الْمِنْهَالُ : عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، قَالَ : قَالَ رَجُلٌ رَجُلٌ قيل هو نافع بن الأزرق الذي صار بعد ذلك رأس الأزارقة - وهي فرقة من الخوارج - وقد كان يجالس ابن عباس رضي الله عنهما في قلة ويعارضه لِابْنِ عَبَّاسٍ : إِنِّي أَجِدُ فِي الْقُرْآنِ أَشْيَاءَ تَخْتَلِفُ تَخْتَلِفُ تشكل وتظهر كأنها متعارضة عَلَيَّ ، قَالَ : { فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ }[المؤمنون : 101] ، { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ }[الصافات : 27] ، { وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا }[النساء : 42] ، { وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ }[الأنعام : 23] ، فَقَدْ فَقَدْ كَتَمُوا أي أنهم كانوا مشركين كَتَمُوا فَقَدْ كَتَمُوا أي أنهم كانوا مشركين فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْآيَةِ وتتمتها { وعصوا الرس ول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا } أي لا يقدرون على كتمان شيء لأن جوارحهم تشهد عليهم ؟ وَقَالَ : { أَمْ السَّمَاءُ بَنَاهَا }[النازعات : 27] إِلَى إِلَى قَوْلِهِ وتتمتها رفع { رَفَعَ سَمۡكَهَا فَسَوَّىٰهَا (28) وَأَغۡطَشَ لَیۡلَهَا وَأَخۡرَجَ ضُحَىٰهَا (29) وَٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ ذَ ٰ⁠لِكَ دَحَىٰهَاۤ (30) } قَوْلِهِ إِلَى قَوْلِهِ وتتمتها رفع { رَفَعَ سَمۡكَهَا فَسَوَّىٰهَا (28) وَأَغۡطَشَ لَیۡلَهَا وَأَخۡرَجَ ضُحَىٰهَا (29) وَٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ ذَ ٰ⁠لِكَ دَحَىٰهَاۤ (30) } : { دَحَاهَا دَحَاهَا بسطها ومدها وجعلها صالحة للسكنى والعيش عليها والتقلب في أقطارها }[النازعات : 30] فَذَكَرَ خَلْقَ السَّمَاءِ قَبْلَ خَلْقِ الْأَرْضِ ، ثُمَّ قَالَ : { أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ }[فصلت : 9] إِلَى إِلَى قَوْلِهِ وتتمتها { وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين } قَوْلِهِ إِلَى قَوْلِهِ وتتمتها { وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين } : { طَائِعِينَ }[فصلت : 11] فَذَكَرَ فِي هَذِهِ خَلْقَ الْأَرْضِ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاءِ ؟ وَقَالَ : { وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا }[النساء : 96] ، { عَزِيزًا حَكِيمًا }[النساء : 56] ، { سَمِيعًا بَصِيرًا }[النساء : 58] فَكَأَنَّهُ فَكَأَنَّهُ أي فكأن الله تعالى كان متصفا بهذه الصفات في الزمن الماضي ثم تغير عن ذلك كَانَ ثُمَّ مَضَى ؟ فَقَالَ فَقَالَ أي ابن عباس رضي الله عنهما مجيبا للسائل المبتدع ومفندا له ما التبس عليه أو ما تتبعه من متشابه القرآن ابتغاء الفتنة : { فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ }[المؤمنون : 101] : فِي فِي النَّفْخَةِ أجابه عن المسألة الأولى مبينا أن التساؤل بعد النفخة الثانية ولكن ليوم القيامة أحوال ومواطن قبل أن يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ففي موطن يشغل كل بنفسه ويبرأ من غيره فلا تساؤل وفي موطن يتلاوم أهل الباطل ويتهم بعضهم بعضا بالإفساد والتضليل فيكون التساؤل وهكذا النَّفْخَةِ فِي النَّفْخَةِ أجابه عن المسألة الأولى مبينا أن التساؤل بعد النفخة الثانية ولكن ليوم القيامة أحوال ومواطن قبل أن يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ففي موطن يشغل كل بنفسه ويبرأ من غيره فلا تساؤل وفي موطن يتلاوم أهل الباطل ويتهم بعضهم بعضا بالإفساد والتضليل فيكون التساؤل وهكذا الْأُولَى ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ : { فَصَعِقَ فَصَعِقَ مات وانظر الباب { 299 } مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ } فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ، ثُمَّ فِي النَّفْخَةِ الْآخِرَةِ ، { أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ }[الصافات : 27] وَأَمَّا قَوْلُهُ : { مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ }[الأنعام : 23] ، { وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا }[النساء : 42] ، فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لِأَهْلِ الْإِخْلَاصِ ذُنُوبَهُمْ ، وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ : تَعَالَوْا نَقُولُ لَمْ نَكُنْ مُشْرِكِينَ ، فَخُتِمَ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ ، فَتَنْطِقُ أَيْدِيهِمْ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ عُرِفَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُكْتَمُ حَدِيثًا ، وَعِنْدَهُ : { يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا }[البقرة : 105] الْآيَةَ ، وَخَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاءَ ، ثُمَّ اسْتَوَى اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ توجهت إرادته إلى خلقها إِلَى اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ توجهت إرادته إلى خلقها السَّمَاءِ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ توجهت إرادته إلى خلقها فَسَوَّاهُنَّ فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ ، ثُمَّ دَحَا الْأَرْضَ ، وَدَحْوُهَا : أَنْ أَخْرَجَ مِنْهَا الْمَاءَ وَالْمَرْعَى ، وَخَلَقَ الْجِبَالَ وَالْجِمَالَ وَ الْآكَامَ الْآكَامَ جمع أكمة وهي الموضع المرتفع من الأرض كالتل والرابية وَمَا بَيْنَهُمَا فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ : { دَحَاهَا }[النازعات : 30] وَقَوْلُهُ : { خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ }[فصلت : 9] فَجُعِلَتْ الْأَرْضُ وَمَا فِيهَا مِنْ شَيْءٍ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ ، وَخُلِقَتْ السَّمَوَاتُ فِي يَوْمَيْنِ ، { وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا }[النساء : 96] سَمَّى نَفْسَهُ ذَلِكَ ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ ، أَيْ لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا إِلَّا أَصَابَ بِهِ الَّذِي أَرَادَ ، فَلَا يَخْتَلِفْ عَلَيْكَ الْقُرْآنُ ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ : حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ ، عَنْ الْمِنْهَالِ بِهَذَا ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ : { لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ مَمْنُونٍ مقطوع أو معدود }[فصلت : 8] : مَحْسُوبٍ ، { أَقْوَاتَهَا }[فصلت : 10] : أَرْزَاقَهَا { فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا }[فصلت : 12] : مِمَّا أَمَرَ بِهِ ، { نَحِسَاتٍ }[فصلت : 16] : مَشَائِيمَ مَشَائِيمَ لما فيها من العذاب لهم جمع مشومة من الشؤم وهو الشر ، { وَ قَيَّضْنَا قَيَّضْنَا هيأنا وأعددنا لَهُمْ قُرَنَاءَ قُرَنَاءَ شياطين ملازمين لهم }[فصلت : 25] : قَرَنَّاهُمْ بِهِمْ ، { تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ عَلَيْهِمْ على المؤمنين تبشرهم بما سيلقون من جزاء عند الله تعالى بعد الموت الْمَلَائِكَةُ }[فصلت : 30] : عِنْدَ الْمَوْتِ ، { اهْتَزَّتْ اهْتَزَّتْ تحركت تحريكا شديدا }[الحج : 5] : بِالنَّبَاتِ ، { وَرَبَتْ }[الحج : 5] : ارْتَفَعَتْ ، { مِنْ أَكْمَامِهَا أَكْمَامِهَا جمع كم وهو الغلاف الذي يغطي الثمر والحب في الشجر والنخل والزرع }[فصلت : 47] : حِينَ تَطْلُعُ ، { لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي }[فصلت : 50] : أَيْ بِعَمَلِي أَنَا مَحْقُوقٌ مَحْقُوقٌ مستحق له بِهَذَا وَقَالَ غَيْرُهُ : { سَوَاءً سَوَاءً مستوية ومتعادلة لا زيادة فيها ولا نقصان جوابا لمن سأل في كم خلقت الأرض والأقوات وقيل على قدر حاجة السائلين وهم جميع البشر لِلسَّائِلِينَ }[فصلت : 10] : قَدَّرَهَا قَدَّرَهَا قسم أرزاق أهلها ومصالحهم ومعايشهم وجعل في كل قسم منها ما ليس في الآخر ليكون التبادل وتقوم التجارة سَوَاءً ، { فَهَدَيْنَاهُمْ }[فصلت : 17] : دَلَلْنَاهُمْ عَلَى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ ، كَقَوْلِهِ : { وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ النَّجْدَيْنِ مثنى نجد وهو ما ارتفع من الأرض من تل أو نحوه ويقال النجد للطريق الواضح وفسرا بطريقي الخير والشر لوضوحهما واستبانة أمرهما }[البلد : 10] وَكَقَوْلِهِ : { هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ }[الإنسان : 3] : وَالْهُدَى وَالْهُدَى يشير إلى أن الهدى يكون بمعنى الدلالة مطلقا كما في الآيات السابقة ويكون بمعنى الدلالة الموصلة الَّذِي هُوَ الْإِرْشَادُ بِمَنْزِلَةِ أَصْعَدْنَاهُ ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ : { أُولَئِكَ أُولَئِكَ إشارة إلى الأنبياء الذين سبق ذكرهم في الآيات قبلها الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ فَبِهُدَاهُمْ ما جاؤوا به من أصول الدين التي لا اختلاف فيها بين الأنبياء وما سلكوه واتصفوا به من مكارم الأخلاق الفاضلة اقْتَدِهْ }[الأنعام : 90] ، { يُوزَعُونَ يُوزَعُونَ يساقون ويدفعون }[النمل : 17] : يُكَفُّونَ يُكَفُّونَ أي يحبس أولهم ليلحق آخرهم وقيل معنى ، { مِنْ أَكْمَامِهَا }[فصلت : 47] : قِشْرُ الْكُفُرَّى الْكُفُرَّى هي الكم وقد سبق بيانه والكم بكسر الكاف وقيل بضمها هِيَ هِيَ أي قوله اعملوا أمر تهديد ووعيد وليس أمر تخيير وتكريم الْكُمُّ وَقَالَ غَيْرُهُ : وَيُقَالُ لِلْعِنَبِ إِذَا خَرَجَ أَيْضًا كَافُورٌ كَافُورٌ هو زهر النخيل وَكُفُرَّى ، { وَلِيٌّ حَمِيمٌ حَمِيمٌ هو القريب المشفق لأن له في الإشفاق على قريبه حرارة وحدة }[فصلت : 34] : الْقَرِيبُ ، { مِنْ مَحِيصٍ مَحِيصٍ محيد ومهرب من عذاب الله عز وجل }[إبراهيم : 21] : حَاصَ عَنْهُ أَيْ حَادَ ، { مِرْيَةٍ }[هود : 17] : وَمُرْيَةٌ وَاحِدٌ وَاحِدٌ أي من حيث المعنى وهو الامتراء أي الشك وقرأ الجمهور بالكسر وقرأ الحسن البصري بالضم ، أَيْ امْتِرَاءٌ وَقَالَ مُجَاهِدٌ : { اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ }[فصلت : 40] : هِيَ وَعِيدٌ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }[المؤمنون : 96] : الصَّبْرُ عِنْدَ الْغَضَبِ وَالْعَفْوُ عِنْدَ الْإِسَاءَةِ ، فَإِذَا فَعَلُوهُ عَصَمَهُمْ عَصَمَهُمْ حفظهم وحماهم اللَّهُ ، وَخَضَعَ لَهُمْ عَدُوُّهُمْ { كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ }[فصلت : 34]المصدر: صحيح البخاريالجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم، المؤلف: محمد بن إسماعيل أبو عبد الله البخاري الجعفي، المحقق: محمد زهير بن ناصر الناصر، الناشر: دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي)، الطبعة: الأولى، 1422 ه (الصفحة: 2151)