شرح حديث رقم 4750

setting

المصدر ممتد حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، قَالَ :

أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ ، وَسَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، زَوْجِ النَّبِيِّ (ﷺ) حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإِفْكِ مَا قَالُوا ، فَبَرَّأَهَا اللَّهُ مِمَّا قَالُوا ، وَكُلٌّ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنَ الحَدِيثِ وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ الَّذِي حَدَّثَنِي عُرْوَةُ ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، زَوْجَ النَّبِيِّ (ﷺ) قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ أَقْرَعَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) مَعَهُ ، قَالَتْ عَائِشَةُ : فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا فَخَرَجَ سَهْمِي ، فَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ (ﷺ) بَعْدَمَا نَزَلَ الحِجَابُ ، فَأَنَا أُحْمَلُ فِي هَوْدَجِي هَوْدَجِي 'الهودج : خباء يشبه الخيمة يوضع على الجمل لركوب النساء' ، وَأُنْزَلُ فِيهِ ، فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغَ فَرَغَ 'فرغ : انتهى' رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) مِنْ غَزْوَتِهِ تِلْكَ وَقَفَلَ وَقَفَلَ 'قفل : رجع أو عاد من السفر أو غيره' ، وَدَنَوْنَا وَدَنَوْنَا 'دنا : اقترب' مِنَ المَدِينَةِ قَافِلِينَ قَافِلِينَ 'قفل : عاد ورجع' ، آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ ، فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ جَاوَزْتُ 'جاوز الشيء : مر عليه وعبره وتخطاه' الجَيْشَ ، فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي أَقْبَلْتُ إِلَى رَحْلِي رَحْلِي 'الرحل : المنزل سواء كان من حجر أو خشب أو شعر أو صوف أو وبر أو غير ذلك' ، فَإِذَا عِقْدٌ لِي مِنْ جَزْعِ ظَفَارِ قَدِ انْقَطَعَ ، فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي وَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ ابْتِغَاؤُهُ 'الابتغاء : الاجتهاد في الطلب' ، وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الرَّهْطُ 'الرهط : الجماعة من الرجال دون العشرة' الَّذِينَ كَانُوا يَرْحَلُونَ لِي ، فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي هَوْدَجِي 'الهودج : خباء يشبه الخيمة يوضع على الجمل لركوب النساء' فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي بَعِيرِي 'البعير : ما صلح للركوب والحمل من الإبل ، وذلك إذا استكمل أربع سنوات ، ويقال للجمل والناقة' الَّذِي كُنْتُ رَكِبْتُ ، وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنِّي فِيهِ ، وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا ، لَمْ يُثْقِلْهُنَّ اللَّحْمُ ، إِنَّمَا تَأْكُلُ العُلْقَةَ العُلْقَةَ 'العُلْقَة : كُلُّ ما يُتَبَلَّغُ به مِنَ العَيْشِ' مِنَ الطَّعَامِ ، فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ القَوْمُ خِفَّةَ الهَوْدَجِ الهَوْدَجِ 'الهودج : خباء يشبه الخيمة يوضع على الجمل لركوب النساء' حِينَ رَفَعُوهُ ، وَكُنْتُ جَارِيَةً جَارِيَةً 'جارية : المراد : أنثى' حَدِيثَةَ السِّنِّ فَبَعَثُوا الجَمَلَ وَسَارُوا ، فَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَمَا اسْتَمَرَّ الجَيْشُ فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ بِهَا دَاعٍ ، وَلاَ مُجِيبٌ فَأَمَمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ بِهِ ، وَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُونِي فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ فِي مَنْزِلِي غَلَبَتْنِي عَيْنِي فَنِمْتُ ، وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ المُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِنْ وَرَاءِ الجَيْشِ ، فَأَدْلَجَ فَأَدْلَجَ سار الليل كله أو سار من أول الليل وادلج سار آخر الليل
'الدلج والدلجة : السير في أول الليل ، وقيل في آخره ، أو فيه كله'
فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي ، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ ، فَأَتَانِي فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي ، وَكَانَ رَآنِي قَبْلَ الحِجَابِ ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ بِاسْتِرْجَاعِهِ 'الاسترجاع : قول المرء إنا لله وإنا إليه راجعون' حِينَ عَرَفَنِي فَخَمَّرْتُ فَخَمَّرْتُ 'خَمَّرَ الشَّيْء : غَطَّاه وستره' وَجْهِي بِجِلْبَابِي ، وَوَاللَّهِ مَا كَلَّمَنِي كَلِمَةً وَلاَ سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ اسْتِرْجَاعِهِ 'الاسترجاع : قول المرء إنا لله وإنا إليه راجعون' ، حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ فَوَطِئَ عَلَى يَدَيْهَا فَرَكِبْتُهَا ، فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ الرَّاحِلَةَ 'الراحلة : البَعيرُ القويّ على الأسفار والأحمال، ويَقَعُ على الذكر والأنثى' ، حَتَّى أَتَيْنَا الجَيْشَ بَعْدَمَا نَزَلُوا مُوغِرِينَ مُوغِرِينَ 'الموغر : النازل في وقت الحرارة الشديدة' فِي نَحْرِ نَحْرِ 'النحر : الذبح' الظَّهِيرَةِ ، فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ ، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى الإِفْكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ ابْنَ سَلُولَ ، فَقَدِمْنَا المَدِينَةَ ، فَاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْتُ شَهْرًا ، وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ يُفِيضُونَ 'يفيض : يكثر الحديث' فِي قَوْلِ أَصْحَابِ الإِفْكِ ، لاَ أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ يَرِيبُنِي فِي وَجَعِي ، أَنِّي لاَ أَعْرِفُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (ﷺ) اللَّطَفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي ، إِنَّمَا يَدْخُلُ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) فَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُولُ : "‎كَيْفَ تِيكُمْ ؟" ثُمَّ يَنْصَرِفُ ، فَذَاكَ الَّذِي يَرِيبُنِي يَرِيبُنِي 'يريبني : يشككني ويوهمني' وَلاَ أَشْعُرُ بِالشَّرِّ حَتَّى خَرَجْتُ بَعْدَمَا نَقَهْتُ نَقَهْتُ 'نقه : صح من مرضه وهو في عقب علته' ، فَخَرَجَتْ مَعِي أُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ المَنَاصِعِ وَهُوَ مُتَبَرَّزُنَا مُتَبَرَّزُنَا 'المُتَبَرَّز : اسم مكان من البَراز ، وهو الفضاء الواسع ، فكنَّوا به عن قَضاء الغائط كما كَنوا عنه بالخلاء ؛ لأنهم كانوا يتبرَّزُون في الأمكنة الخالية من الناس' ، وَكُنَّا لاَ نَخْرُجُ إِلَّا لَيْلًا إِلَى لَيْلٍ ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نَتَّخِذَ الكُنُفَ الكُنُفَ 'الكنف : جمع كنيف , وهو المرحاض والحمام' قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا ، وَأَمْرُنَا أَمْرُ العَرَبِ الأُوَلِ فِي التَّبَرُّزِ قِبَلَ الغَائِطِ الغَائِطِ 'الغائط : مكان قضاء الحاجة' ، فَكُنَّا نَتَأَذَّى بِالكُنُفِ أَنْ نَتَّخِذَهَا عِنْدَ بُيُوتِنَا ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ وَهِيَ ابْنَةُ أَبِي رُهْمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ ، وَأُمُّهَا بِنْتُ صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ، وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ ، فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ بَيْتِي ، وَقَدْ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا ، فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا مِرْطِهَا 'المرط : كساء من صوف أو خز أو كتان' ، فَقَالَتْ : تَعِسَ تَعِسَ 'تعس : هلك وخسر وانكب على وجهه' مِسْطَحٌ ، فَقُلْتُ لَهَا : بِئْسَ مَا قُلْتِ ، أَتَسُبِّينَ رَجُلًا شَهِدَ بَدْرًا ؟ قَالَتْ : أَيْ هَنْتَاهْ هَنْتَاهْ 'هنتاه : إشارة بمعنى يا هذه' أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ ؟ قَالَتْ : قُلْتُ : وَمَا قَالَ ؟ فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الإِفْكِ ، فَازْدَدْتُ مَرَضًا عَلَى مَرَضِي ، فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي ، وَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) تَعْنِي سَلَّمَ ، ثُمَّ قَالَ : "‎كَيْفَ تِيكُمْ" ، فَقُلْتُ : أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ ، قَالَتْ : وَأَنَا حِينَئِذٍ أُرِيدُ أَنْ أَسْتَيْقِنَ أَسْتَيْقِنَ 'استيقن : تأكد من الأمر وتحقق منه' الخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا ، قَالَتْ : فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) ، فَجِئْتُ أَبَوَيَّ فَقُلْتُ لِأُمِّي : يَا أُمَّتَاهْ مَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ ؟ قَالَتْ : يَا بُنَيَّةُ هَوِّنِي عَلَيْكِ ، فَوَاللَّهِ لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا ، وَلَهَا ضَرَائِرُ ضَرَائِرُ 'الضرائر : جمع ضرة ، وهي الزوجة الأخرى التي تشارك غيرها في زوجها' إِلَّا كَثَّرْنَ عَلَيْهَا ، قَالَتْ : فَقُلْتُ سُبْحَانَ اللَّهِ ، أَوَلَقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا ؟ قَالَتْ : فَبَكَيْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ لاَ يَرْقَأُ يَرْقَأُ 'يرقأ : يسكن ويجف وينقطع بعد جريانه' لِي دَمْعٌ ، وَلاَ أَكْتَحِلُ أَكْتَحِلُ 'أكتحل بنوم : أغمض عيني' بِنَوْمٍ ، حَتَّى أَصْبَحْتُ أَبْكِي ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حِينَ اسْتَلْبَثَ اسْتَلْبَثَ 'استلبث : أبطأ وتأخر' الوَحْيُ ، يَسْتَأْمِرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ ، قَالَتْ : فَأَمَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (ﷺ) بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ ، وَبِالَّذِي يَعْلَمُ لَهُمْ فِي نَفْسِهِ مِنَ الوُدِّ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَهْلَكَ وَلاَ نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا ، وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْكَ ، وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ ، وَإِنْ تَسْأَلِ الجَارِيَةَ الجَارِيَةَ 'الجارية : المرأة والفتاة الشابة' تَصْدُقْكَ ، قَالَتْ : فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) بَرِيرَةَ ، فَقَالَ : أَيْ بَرِيرَةُ ، هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شَيْءٍ يَرِيبُكِ ؟ قَالَتْ بَرِيرَةُ : لاَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ ، إِنْ رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا أَغْمِصُهُ أَغْمِصُهُ 'غمصه : استصغره واحتقره وعابه' عَلَيْهَا ، أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ ، تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا ، فَتَأْتِي الدَّاجِنُ الدَّاجِنُ 'الداجن : كل ما أَلِف البيوت وأقام بها من حيوان وطير' فَتَأْكُلُهُ ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) ، فَاسْتَعْذَرَ فَاسْتَعْذَرَ 'استعذر : قال من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي' يَوْمَئِذٍ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ ، قَالَتْ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ : "‎يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ مَنْ يَعْذِرُنِي يَعْذِرُنِي 'من يعذرني : من يلومه على فعله ولا يلومني على فعلي ، أو من يقوم بعذري إذا جازَيْتُه بصنعه ، أو من ينصرني ، يقال : عذرته إذا نصرتهُ' مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِ بَيْتِي ، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا ، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا ، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي" ، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الأَنْصَارِيُّ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أَعْذِرُكَ أَعْذِرُكَ 'أعْذِرُك منه : أَقوم بعُذْرك إن كَافَأْته على سُوءِ صَنِيعه فلا ألُومك وأمنع عنك الأذى' مِنْهُ ، إِنْ كَانَ مِنَ الأَوْسِ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ ، قَالَتْ : فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَهُوَ سَيِّدُ الخَزْرَجِ ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلًا صَالِحًا ، وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الحَمِيَّةُ ، فَقَالَ لِسَعْدٍ : كَذَبْتَ لَعَمْرُ لَعَمْرُ اللَّهِ 'لعمر الله : قسم وحلف بالله وبقائه ودوامه' اللَّهِ لَعَمْرُ اللَّهِ 'لعمر الله : قسم وحلف بالله وبقائه ودوامه' لاَ تَقْتُلُهُ ، وَلاَ تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ ، فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ، فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ : كَذَبْتَ لَعَمْرُ لَعَمْرُ اللَّهِ 'لعمر الله : قسم وحلف بالله وبقائه ودوامه' اللَّهِ لَعَمْرُ اللَّهِ 'لعمر الله : قسم وحلف بالله وبقائه ودوامه' لَنَقْتُلَنَّهُ ، فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ تُجَادِلُ 'المجادلة : المخاصمة والمحاورة' عَنِ المُنَافِقِينَ ، فَتَثَاوَرَ فَتَثَاوَرَ 'تثاور : احتد وهاج' الحَيَّانِ الأَوْسُ وَالخَزْرَجُ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا ، وَرَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) قَائِمٌ عَلَى المِنْبَرِ ، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) يُخَفِّضُهُمْ يُخَفِّضُهُمْ 'يخفضهم : يسكِّنهم ويسهل الأمر بينهم' حَتَّى سَكَتُوا ، وَسَكَتَ ، قَالَتْ : فَبَكَيْتُ يَوْمِي ذَلِكَ لاَ يَرْقَأُ يَرْقَأُ 'يرقأ : يسكن ويجف وينقطع بعد جريانه' لِي دَمْعٌ وَلاَ أَكْتَحِلُ أَكْتَحِلُ 'أكتحل بنوم : أغمض عيني' بِنَوْمٍ ، قَالَتْ : فَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي وَقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْمًا لاَ أَكْتَحِلُ أَكْتَحِلُ 'أكتحل بنوم : أغمض عيني' بِنَوْمٍ ، وَلاَ يَرْقَأُ يَرْقَأُ 'يرقأ : يسكن ويجف وينقطع بعد جريانه' لِي دَمْعٌ ، يَظُنَّانِ أَنَّ البُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي ، قَالَتْ : فَبَيْنَمَا هُمَا جَالِسَانِ عِنْدِي ، وَأَنَا أَبْكِي فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ ، فَأَذِنْتُ لَهَا فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي ، قَالَتْ : فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ ، دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ ، قَالَتْ : وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ مَا قِيلَ قَبْلَهَا ، وَقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لاَ يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي ، قَالَتْ : فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) حِينَ جَلَسَ ، ثُمَّ قَالَ : "‎أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ ، فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا ، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ أَلْمَمْتِ 'اللَّمم : مُقَارَبة المَعْصِيَة من غير إيقاع فِعْل' بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ ، فَإِنَّ العَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ إِلَى اللَّهِ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ" ، قَالَتْ : فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) مَقَالَتَهُ قَلَصَ قَلَصَ 'قلص : جف وذهب' دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً ، فَقُلْتُ لِأَبِي : أَجِبْ رَسُولَ اللَّهِ (ﷺ) فِيمَا قَالَ ، قَالَ : وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ (ﷺ) ، فَقُلْتُ لِأُمِّي : أَجِيبِي رَسُولَ اللَّهِ (ﷺ) ، قَالَتْ : مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ (ﷺ) ، قَالَتْ : فَقُلْتُ وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لاَ أَقْرَأُ كَثِيرًا مِنَ القُرْآنِ : إِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَقَدْ سَمِعْتُمْ هَذَا الحَدِيثَ ، حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي أَنْفُسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ فَلَئِنْ ، قُلْتُ لَكُمْ : إِنِّي بَرِيئَةٌ ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ لاَ تُصَدِّقُونِي بِذَلِكَ ، وَلَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي مِنْهُ بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُنِّي ، وَاللَّهِ مَا أَجِدُ لَكُمْ مَثَلًا إِلَّا قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ ، قَالَ : { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ المُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ }[يوسف : 18] ، قَالَتْ : ثُمَّ تَحَوَّلْتُ فَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي ، قَالَتْ : وَأَنَا حِينَئِذٍ أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ ، وَأَنَّ اللَّهَ مُبَرِّئِي بِبَرَاءَتِي ، وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ مُنْزِلٌ فِي شَأْنِي وَحْيًا يُتْلَى ، وَلَشَأْنِي فِي نَفْسِي كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى ، وَلَكِنْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بِهَا ، قَالَتْ : فَوَاللَّهِ مَا رَامَ رَامَ 'رام : فارق وبرح' رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) ، وَلاَ خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ البَيْتِ حَتَّى أُنْزِلَ عَلَيْهِ ، فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ البُرَحَاءِ البُرَحَاءِ 'البرحاء : الشدة' ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ لَيَتَحَدَّرُ 'تحدر : نزل وتساقط وتقطر' مِنْهُ مِثْلُ الجُمَانِ الجُمَانِ 'الجمان : اللؤلؤ , والمراد العرق' مِنَ العَرَقِ ، وَهُوَ فِي يَوْمٍ : شَاتٍ ، مِنْ ثِقَلِ القَوْلِ الَّذِي يُنْزَلُ عَلَيْهِ ، قَالَتْ : فَلَمَّا سُرِّيَ سُرِّيَ 'التسرية : الكشف والإزالة وتأتي بمعنى التخفيف' عَنْ رَسُولِ اللَّهِ (ﷺ) سُرِّيَ سُرِّيَ 'التسرية : الكشف والإزالة وتأتي بمعنى التخفيف' عَنْهُ وَهُوَ يَضْحَكُ ، فَكَانَتْ أَوَّلُ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا : "‎يَا عَائِشَةُ ، أَمَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَقَدْ بَرَّأَكِ" ، فَقَالَتْ أُمِّي : قُومِي إِلَيْهِ ، قَالَتْ : فَقُلْتُ : لاَ وَاللَّهِ لاَ أَقُومُ إِلَيْهِ ، وَلاَ أَحْمَدُ إِلَّا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ( إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لاَ تَحْسِبُوهُ ) العَشْرَ الآيَاتِ كُلَّهَا ، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ هَذَا فِي بَرَاءَتِي ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ : وَاللَّهِ لاَ أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ مَا قَالَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ : { وَلاَ يَأْتَلِ أُولُو الفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي القُرْبَى وَالمَسَاكِينَ وَالمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ، أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } قَالَ أَبُو بَكْرٍ : بَلَى وَاللَّهِ إِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي ، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ ، وَقَالَ : وَاللَّهِ لاَ أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا ، قَالَتْ عَائِشَةُ : وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) يَسْأَلُ زَيْنَبَ ابْنَةَ جَحْشٍ عَنْ أَمْرِي ، فَقَالَ : يَا زَيْنَبُ مَاذَا عَلِمْتِ أَوْ رَأَيْتِ ؟ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي ، مَا عَلِمْتُ إِلَّا خَيْرًا ، قَالَتْ : وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي تُسَامِينِي 'سامى : نافس وضاهى' مِنْ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ (ﷺ) ، فَعَصَمَهَا فَعَصَمَهَا 'العصمة : المنع والحفظ' اللَّهُ بِالوَرَعِ وَطَفِقَتْ أُخْتُهَا حَمْنَةُ تُحَارِبُ لَهَا ، فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ مِنْ أَصْحَابِ الإِفْكِالمصدر: صحيح البخاريالجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم، المؤلف: محمد بن إسماعيل أبو عبد الله البخاري الجعفي، المحقق: محمد زهير بن ناصر الناصر، الناشر: دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي)، الطبعة: الأولى، 1422 ه (الصفحة: 2105)